-->

تحت الربع - حى الدرب الاحمر - القاهره القديمه




تحت الربع - حى الدرب الاحمر - القاهره القديمه
في مصر عدد كبير من الأسواق التاريخية والأثرية التي أنشأت في مناطق معينة ذات صفات تاريخية معروفة بمبانيها الأثرية والتاريخية، الأمر الذي أعطى لهذه الأسواق والشوارع التجارية شكلاً مختلفاً وطابعاً مميزاً.

وعلى الرغم من عمليات التطوير المستمرة التي شهدتها هذه الأسواق لكنها لاتزال تحتفظ بعبق الماضي وأصالته، ومن بين هذه الأسواق شارع (تحت الربع) -بفتح الراء- وهو من أهم شوارع حي الدرب الأحمر بمنطقة وسط القاهرة التاريخية والمشهور بتجارة وصناعة فانوس رمضان.وشارع تحت الربع على الرغم مما شهده من عمليات التطوير والتحديث والتي غيرت كثيرا من معالم وملامح الشارع التاريخي إلا أنه بمجرد دخولك الشارع تدرك ما وراء هذا التحديث من فنون العمارة التي كانت تعبر عن مرحلة مهمة في تاريخ مصر.يرجع تاريخ إنشاء سوق أو شارع (تحت الربع) إلى بناء القاهرة ذاتها على يد القائد الفاطمي جوهر الصقلي عام 358ه، فقد جعل سكنى عساكر البربر والسودان خارج أبواب القاهرة خصوصاً باب زويلة.

حيث يقع شارع تحت الربع في المنطقة التي تقع خارج باب زويلة من اليمين حتى باب الخلق، ولم يطلق على الشارع هذا الاسم سوى في العصر المملوكي حسب ما ذكر المقريزي في خططه، حيث كان يطلق عليه قبل ذلك حارة السودان، وحينما تولى الظاهر بيبرس الحكم قام بتطوير الربع وتقسيم المساحة المحيطة به وأنشأ ربعاً آخر لم يبقَ منه شيء حالياً، حيث شب فيه حريق عام 721هـ - 1221م. وكان يقع بين باب زويلة وباب الفرج وعرف بخط تحت الربع وكان ربعا كبيرا يشتمل على 120 مسكنا.

ويذكر عبدالرحمن زكي في موسوعة (القاهرة في ألف عام) أن الربع لم يكن له سوى مدخل واحد للجميع ويصعد إلى الطابق العلوي بواسطة سلم يوصل إلى دهليز طويل تطل عليه المساكن، ولا تؤجر هذه المساكن المؤثثة ولا يسمح للأغراب باستئجار مسكن من الربع، ولكن يسمح له بذلك من كان منهم مع أسرته.

وبعيدا عن الخلفيات التاريخية لهذا الشارع الذي كان تغير اسمه أكثر من مرة فمن حارة السودان إلى تحت الربع إلى باب الخلق ثم تحت الربع مرة أخرى وحاليا يسمى بشارع أحمد ماهر.. نتجول داخل الشارع الذي لايزال يتمسك الجميع بتسميته بشارع تحت الربع والذي أصبح علامة بارزة وسوقا لصناعة وتجارة فوانيس رمضان.

أكثر من سوق

ابتداءً من منتصف شهر شعبان وحتى الأسبوع الأول من شهر رمضان يعج الشارع بالآلاف المقبلين على شراء فوانيس رمضان التقليدية الأصيلة التي لاتزال تحمل عبق الماضي والأصالة ومع أن شارع تحت الربع ارتبط في أذهان الكثيرين بأنه مخصص لصناعة وتجارة فوانيس رمضان ويعتقد الكثيرون بأنه تخصص في هذه المهنة منذ قدوم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله إلا أن د. عاطف عبدالدايم مدرس الآثار الإسلامية في رسالته للدكتوراه عن منطقة تحت الربع يكشف أن صناعة الفوانيس ازدهرت وانتشرت في شارع تحت الربع مع بداية القرن التاسع عشر، أما التجارة الأصيلة والقديمة التي عرف بها أن شارع تحت الربع سوقا للنحاسين وسوقا لصناعة الصفيح ولاتزال موجودة حتى الآن وكذلك اشتهر بأنه سوق لتجارة المكسرات والمسقط (مخلفات الذبائح)، واشتهر أيضا بصناعة القرن الخشبية التي تستخدم في تقطيع اللحوم وكذلك صناعة الأخشاب.

وتغيرت المعالم المعمارية للشارع بفعل الزمن بإنشاء المساكن الحديثة مع توسعة الشارع وتطويله حيث لم يكن يزيد طوله على 115 مترا. أيضا كانت توجد ورش للدباغة، وأغلب هذه الأسواق كانت قد ظهرت في العصر المملوكي وكانت تثير إعجاب التجار الأجانب بسبب أنشطتها وثرائها.

والشارع تغير اسمه أخيرا إلى شارع احمد ماهر ويبدأ من مديرية امن القاهرة حتى باب زويلة، وقبل تطويره كانت تنتشر بالشارع الخنادق والممرات الصغيرة التي تصل بينه وبين الحارات المجاورة، حيث يعد الشارع منطقة أثرية تضم عدداً من الآثار الإسلامية التي تهدم بعضها وبعضها لايزال قائماً وأشهر هذه الآثار فيه باب زويلة ومسجد السيدة فاطمة وجامع المؤيد شيخ.

جولة تاريخية

يكفيك جولة بين أزقة وحواري الشارع حيث تختلط روائح العطارة بالصناعات الأخرى التي تجاورها في تركيبة تأخذك إلى دنيا ساحرة لا يشعر بها إلا من يداوم على هذا الجو الذي يعطيك براحا في النفس. ويكفي أن الشارع يجاور جامع الأزهر ومنطقة الخيامية والمغربلين وسوق السلاح والسروجية وغيرها من المناطق الأثرية، إضافة إلى المساجد الأثرية العظيمة والتي تسجل سطورا متباينة الأحداث تتجاوز في إطارها الزمني حقبا متفاوتة.

وفي جولة بين أهم الآثار داخل هذا الشارع يتبين أن أروع ما في المكان هو باب زويلة الذي بناه جوهر الصقلي ضمن الأبواب التي شيدها في سور القاهرة عام 358 هجري وجدده الوزير بدر الدين الجمالي عام 485هـ - 1093م. وكان يعرف باسم بوابة المتولي.

وقد كاد الإهمال أن يذهب به لولا تجديده مؤخرا فبعد تجديد البوابة عادت لرونقها القديم والأبواب الحديدية الضخمة تقف في شموخ تتحدى الزمن، فقد مر عليها الجميع وبقيت هي شاهدة على كل العصور.

ولعل أهم ما نتذكره تحت باب زويلة شنق الأمير طومان باي على يد العثمانيين حيث علقوه عدة أيام حتى تعفنت جثته على البوابة، وبجوار البوابة ترى مسجد الملك المؤيد أبوالنصر شيخ المحمودي بمئذنتيه الرائعتين ملاصقا للبوابة وبناه الملك شيخ عام 818ه، ومسجد سيف الدين الاسحاقي الظاهري الذي بناه عام 885هـ - 1480م. وزاوية فرج بن برقوق التي كانت مسجدا كبيرا وتضم مدرسة ومستشفى لم يبقى منها إلا هذه الزاوية وتم إنشاؤها عام 811هـ - 1408م. وسبيل حسن أغا أرزنكان وأنشئ عام 1246هـ - 1830م.

وبطوافك في هذا الشارع والمناطق المحيطة به والحواري نجد قلب المدينة الصناعية والتجارية، حيث يجاور شارع تحت الربع شوارع صناعية وتجارية مازالت تلعب دورها الهام في حركة الصناعة والتجارة المصرية بالصناعات التراثية والتقليدية وأيضا العصرية.

وبعد هذه الجولة جلست أتأمل هذا الشارع من بعيد فتذكرت جملة قرأتها في الماضي تقول: إن ذاكرة المدنية الحقيقية توجد في الشوارع لأنها الوسيلة الوحيدة لاكتشاف القاهرة وقدراتها وقوتها الحقيقية ففي الشوارع ترى عمارات القاهرة وطرازها المميز تتفاعل مع الأنشطة والوظائف والحرف والمهن والصناعات اليدوية المختلفة فهذه الشوارع ليست مجرد مكان أو اسم يطلق عليها ولكنها ذكريات وتفاصيل وتاريخ من عمر المدينة.
TAG

عن الكاتب :

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *